صَلَاحُ الْقَلْبِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ ـ اقتباس :لطفي الياسيني
*********************************** **************
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته-فَالْقَلْبُ لَا يَصْلُحُ، وَلَا يُفْلِحُ، وَلَا يَلْتَذُّ، وَلَا يُسَرُّ، وَلَا يَطِيبُ، وَلَا يَسْكُنُ، وَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَّا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَحُبِّهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ،
وَلَوْ حَصَلَ لَهُ كُلُّ مَا يَلْتَذُّ بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ يَطْمَئِنَّ وَلَمْ يَسْكُنْ; إِذْ فِيهِ فَقْرٌ ذَاتِيٌّ إِلَى رَبِّهِ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْبُودُهُ، وَمَحْبُوبُهُ، وَمَطْلُوبُهُ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَاللَّذَّةُ وَالنِّعْمَةُ وَالسُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِإِعَانَةِ اللَّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ لَهُ إِلَّا اللَّهُ، فَهُوَ دَائِمًا مُفْتَقِرٌ إِلَى حَقِيقَةِ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فَإِنَّهُ لَوْ أُعِينَ عَلَى حُصُولِ مَا
يُحِبُّهُ وَيَطْلُبُهُ وَيَشْتَهِيهِ وَيُرِيدُهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ; فَلَنْ يَحْصُلَ إِلَّا عَلَى الْأَلَمِ وَالْحَسْرَةِ وَالْعَذَابِ، وَلَنْ يَخْلُصَ مِنْ آلَامِ الدُّنْيَا وَنَكَدِ عَيْشِهَا، إِلَّا بِإِخْلَاصِ الْحُبِّ لِلَّهِ، بِحَيْثُ يَكُونُ هُوَ غَايَةَ مُرَادِهِ، وَنِهَايَةَ مَقْصُودِهِ، وَهُوَ الْمَحْبُوبُ لَهُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ إِنَّمَا يُحِبُّهُ لِأَجْلِهِ، لَا يُحِبُّ شَيْئًا لِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهَ.
فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ لَهُ هَذَا; لَمْ يَكُنْ قَدْ حَقَّقَ حَقِيقَةَ \"لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ\" ، وَلَا حَقَّقَ التَّوْحِيدَ وَالْعُبُودِيَّةَ وَالْمَحَبَّةَ لِلَّهِ، وَكَانَ فِيهِ مِنْ نَقْصِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ -بَلْ مِنَ الْأَلَمِ وَالْحَسْرَةِ وَالْعَذَابِ- بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ سَعَى فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ، مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ فِي حُصُولِهِ، لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَإِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى اللَّه مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمَحْبُوبُ الْمَرَادُ الْمَعْبُودُ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَسْؤُولُ الْمُسْتَعَانُ بِهِ الْمُتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، فَهُوَ إِلَهُهُ لَا إِلَهَ لَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ رَبُّهُ لَا رَبَّ لَهُ سِوَاهُ.
وَلَا تَتِمُّ عُبُودِيَّتُهُ لِلَّهِ إِلَّا بِهَذَيْنِ; فَمَتَى كَانَ يُحِبُّ غَيْرَ اللَّهِ لِذَاتِهِ، أَوْ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ أَنَّهُ يُعِينُهُ; كَانَ عَبْدًا لِمَا أَحَبَّهُ وَعَبْدًا لِمَا رَجَاهُ; بِحَسَبِ حُبِّهِ لَهُ وَرَجَائِهِ إِيَّاهُ، وَإِذَا لَمْ يُحِبَّ أَحَدًا لِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهَ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَحَبَّهُ سِوَاهُ فَإِنَّمَا
أَحَبَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَرْجُ قَطُّ شَيْئًا إِلَّا اللَّهَ، وَإِذَا فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنَ الْأَسْبَابِ أَوْ حَصَّلَ مَا حَصَّلَ مِنْهَا; كَانَ مُشَاهِدًا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَهَا وَقَدَّرَهَا وَسَخَّرَهَا
لَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاللَّهُ رَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ وَمُسَخِّرُهُ، وَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ; كَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ تَمَامِ عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ بِحَسَبِ مَا قُسِمَ
لَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَالنَّاسُ فِي هَذَا عَلَى دَرَجَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ، لَا يُحْصِيَ طُرُقَهَا إِلَّا اللَّهُ; فَأَكْمَلُ الْخَلْقِ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَعْلَاهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَأَقْوَاهُمْ وَأَهْدَاهُمْ أَتَمُّهُمْ
عُبُودِيَّةً لِلَّهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.